فصل: الإيضاح:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأجمل ذلك الزمخشري بقوله: وإنما سومح في الزينة الخفية أولئك المذكورون، لما كانوا مختصين به من الحاجة المضطرة إلى مداخلتهم ومخالفتهم. ولقلة توقع الفتنة من جهاتهم ولما في الطباع من النفرة عن ممارسة القرائب. وتحتاج المرأة إلى صحبتهم في الأسفار للنزول والركوب وغير ذلك. وقوله تعالى: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} قيل: هن المؤمنات. أخذًا من الإضافة. فليس للمؤمنة أن تتجرد بين يدي مشركة أو كتابية. وقيل: النساء كلهن. فإنهن سواء في حل نظر بعضهن إلى بعض.
قال في الإكليل: فيه إباحة نظر المرأة إلى المرأة كمحرم. وروى ابن أبي حاتم عن عطاء؛ أن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم لما قدموا بيت المقدس، كان قوابل نسائهن اليهوديات والنصرانيات.
وقال الرازيّ: القول الثاني هو المذهب وقول السلف الأول محمول على الاستحباب والأوْلى.
وقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} أي: لاحتياجهن إليهم. فلو منع دخولهم عليهن اضطررن. قاله المهايميّ. وظاهر الآية يشمل العبيد والإماء. وإليه ذهب قوم. قالوا: لا بأس عليهن في أن يظهرن لعبيدهن من زينتهن ما يظهرن لذوي محارمهن. واحتجوا أيضًا بما رواه أبو داود عن أنس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها. قال: وعلى فاطمة ثوب، إذا قنعت به رأسها، لم يبلغ رجليها، وإذا غطت به رجليها، لم يبلغ رأسها، فلما رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال: «إنه ليس عليك بأس. إنما هو أبوك وغلامك».
وجاء في تاريخ ابن عساكر أن عبد الله بن مسعدة كان أسود شديد الأدمة. وقد كان وهبه النبيّ صلوات الله عليه لابنته فاطمة. فربّته ثم أعتقته، ثم كان، بعدُ مع معاوية على عليّ. نقله ابن كثير، فاحتمل أن يكون هو هو. والله أعلم.
وذهب قوم إلى أنه بذلك الإماء المشركات، وأنه يجوز لها أن تظهر زينتها إليهن وإن كن مشركات. قالوا: وسرّ إفراد الإماء مع شموله قوله: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} لهن الإعلام بأن المراد مَنْ في صحبتهن من الحرائر والإمام لظهور الإضافة في نسائهن بالحرائر. كقوله: {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282]، فعطفن عليهن ليشاركنهن في إباحة النظر عليهن، والقول الأول أقوى. لأن الأصل هو العمل بالعامّ حتى يقوم دليل على تخصيصه. لاسيما والحكمة ظاهرة فيه وهي رفع الحرج. وهذا الذي قطع به الشافعيّ وجمهور أصحابه.
قال في الإكليل: وعلى الأول استدل بإضافة اليمين على أنه ليس لعبد الزوج النظر. واستدل من أباحه بقراءة: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}.
وقوله: {أَوِ التَّابِعِينَ} أي: الخدام لأنهن في معنى العبيد: {غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ} أي: الحاجة إلى نساء: {مِنَ الرِّجَالِ} كالشيخ الهرم والبله واستدل بهذا من أباح نظر الخصيّ. وقوله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} أي: لم يفهموا أحوالهن، لصغرهم. فيستدل به على تحريم نظر المراهق الذي فهم ذلك كالبالغ. كما في الإكليل.
قال الزمخشري: يظهروا إما من ظهر على الشيء إذا اطلع عليه، أي: لا يعرفون ما العورة، ولا يميزون بينها وبين غيرها. وإما من ظهر على فلان إذا قوي عليه وظهر على القرآن أخذه وأطاقه أي: لم يبلغوا أوان القدرة على الوطء. والطفل مفرد وضع موضع الجمع بقرينة وصفه بالجمع. ومثله الحاج بمعنى: الحجاج. وقال الراغب: إنه يقع على الجمع.
تنبيه:
قال السيوطي في الإكليل: استدل بعضهم بقولهم تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا} إلخ على أنه لا يباح النظر للعم والخال، لعدم ذكرهما في الآية. أخرج ابن المنذر عن الشعبيّ وعكرمة، قالا: لم يذكر العم والخال لأنهما ينعتان لأبنائهما، ولا تضع خمارها عند العم والخال.
وقال الرازيّ: القول الظاهر أنهما كسائر المحارم في جواز النظر. وهو قول الحسن البصريّ. قال: لأن الآية لم يذكر فيها الرضاع وهو كالنسب. وقال في سورة الأحزاب: {لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ} [الأحزاب: 55] الآية، ولم يذكر فيها البعولة ولا أبناءهم. وقد ذكروا هاهنا. وقد يذكر البعض لينبه على الجملة.
ثم قال: في قول الشعبيّ من الدلالات البليغة على وجوب الاحتياط عليهن في التستر.
ثم أشار تعالى إلى أن الزينة، كما يجب إخفائها عن البصر، يجب عن السمع، إن كانت مما تؤثر فيه ميلًا، بقوله سبحانه: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ} أي: الأرض: {لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ} أي: عن الأبصار: {مِنْ زِينَتِهِنَّ} كالخلخال. وهذا نهي عن ما كان يفعله بعضهن. وذلك من ضرب أرجلهن الأرض ليتحرك خلخالهن فيعلم أنهن متحلين به. فإن ذلك مما يورث الرجال ميلًا إليهن، ويوهم أن لهن ميلًا إليهم.
قال الزمخشري: وإذا نهين عن إظهار صوت الحلي بعد ما نهين عن إظهار الحلي، علم بذلك أن النهي عن إظهار مواضع الحليّ أبلغ وأبلغ. قيل: وإذا نهي عن استماع صوت حليهن. فعن استماع صوتهن بالطريق الأولى. وهذا سد لباب المحرمات، وتعليم للأحواض الأحسن، لاسيما في مظانّ الريب وما يكون ذريعة إليها.
تنبيه:
قال ابن كثير: يدخل في هذا النهي كل شيء من زينتها كان مستورًا، فتحركت بحركة، لتظهر ما خفي منها. ومن ذلك ما ورد من نهيها عن التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها ليشم الرجال طيبها. فروى الترمذي عن أبي موسى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل عين زانية. والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا». يعني زانية.
قال: ومن الباب عن أبي هريرة. وهذا حديث حسن صحيح. ورواه أبو داود والنسائي. وروى الترمذي أيضًا عن ميمونة بنت سعد؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الرافلة في الزينة في غير أهلها، كمثل ظلمة يوم القيامة، لا نور لها». ومن ذلك أيضًا، نهيهن من المشي في وسط الطريق لما فيه من التبرج. فروى أبو داود عن أبي أسيد الأنصاري أنه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو خارج من المسجد، وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: «استأخرن، فإنه ليس لَكُنَ أن تَحْقُقْنَ الطريق. عليكن بحافات الطريق». فكانت المرأة تلصق بالجدار، حتى أن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به. وقوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} أي: ارجعوا إليه بالعمل بأوامره واجتناب نواهيه، فإن مقتضى إيمانكم ذلك: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي: لكي تفوزوا بسعادة الدارين. اهـ.

.قال المراغي:

{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}.

.تفسير المفردات:

غض بصره: خفّض منه، والخمر: واحدها خمار وهو ما تغطى به المرأة رأسها طرحة والجيوب واحدها جيب: وهو فتحة في أعلى القميص يبدو منها بعض الجسد، والبعولة: الأزواج واحدهم بعل، والإربة: الحاجة إلى النساء، والطفل: يطلق على الواحد والجمع، لم يظهروا: أي لم يعلموا عورات النساء لصغرهم.
المعنى الإجمالي:
بعد أن نهى سبحانه عن دخول البيوت إلا بعد الاستئذان والسلام على أهلها منعا للقيل والقال والاطلاع على عورات الناس وأسرارهم- أمر رسوله أن يرشد المؤمنين إلى غض البصر عن المحارم لمثل السبب المتقدم، إذ ربما كان ذلك ذريعة إلى وقوع المفاسد وانتهاك الحرمات التي نهى الدين عنها.

.الإيضاح:

{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ} أي قل أيها الرسول للمؤمنين كفّوا أبصاركم عما حرم اللّه عليكم، ولا تنظروا إلا ما يباح لكم النظر إليه، فإن وقع البصر على محرم من غير قصد فليصرفوا أبصارهم عنه سريعا لما رواه مسلم عن عبد اللّه البجلىّ قال: «سألت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عن نظرة الفجاءة فأمرنى أن أصرف بصرى»، وروى أبو داود أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال لعلى: «يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليس لك الآخرة»، وفى الصحيح عن أبى سعيد قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «إياكم والجلوس على الطرقات، قالوا يا رسول اللّه لابد لنا من مجالسنا نتحدث فيها، فقال صلّى اللّه عليه وسلم: إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه، قالوا وما حق الطريق يا رسول اللّه؟ قال غضّ البصر، وكفّ الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر».
والحكمة في ذلك: أن في غض البصر سدا لباب الشر، ومنعا لارتكاب المآثم والذنوب، وللّه در أحمد شوقى حيث يقول:
نظرة فابتسامة فسلام ** فكلام فموعد فلقاء

{وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} بمنعها من عمل الفاحشة، أو بحفظها من أن أحدا ينظر إليها، وقد جاء في الحديث: «احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك».
{ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ} أي ما ذكر من غض البصر وحفظ الفرج أطهر من دنس الريبة وأنفع دينا ودنيا فقد قالوا: النظر بريد الزنا ورائد الفجور، وللّه در شاعرهم:
كل الحوادث مبداها من النظر ** ومعظم النار من مستصغر الشرر

كم نظرة فعلت في قلب فاعلها ** فعل السهام بلا قوس ولا وتر

والمرء ما دام ذا عين يقلّبها ** في أعين العين موقوف على الخطر

بسر ناظره ما ضر خاطره ** لا مرحبا بسرور عاد بالضرر

{إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ} فلا يخفى عليه شيء مما يصدر منهم من الأفعال كإجالة النظر واستعمال سائر الحواس، وماذا يراد بذلك، فلتكونوا على حذر منه تعالى في كل ما تأتون وما تذرون.
وبعد أن أمر رسوله بأمر المؤمنين بغضّ أبصارهم أمره بأن يأمر المؤمنات بذلك.
{وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ} فلا ينظرن إلى ما لا يحل لهن النظر إليه من عورات الرجال والنساء ما بين السرة والركبة وإذا نظرن إلى ما عدا ذلك بشهوة حرم، وبدونها لا يحرم، ولكن غض البصر عن الأجانب أولى بهن وأجمل لما روى أبو داود والترمذي عن أم سلمة «أنها كانت عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وميمونة إذ أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه بعد ما أمرنا بالحجاب، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم احتجبا منه، فقلت: يا رسول اللّه أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: أوعمياوان أنتما؟ أولستما تبصرانه؟».
{وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} عما لا يحل لهن من الزنا والسّحاق ويسترنها حتى لا يراها أحد.
{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها} أي ولا يظهرن شيئا من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه مما جرت العادة بظهوره كالخاتم والكحل والخضاب، فلا يؤاخذن إلا في إبداء ما خفى منها كالسوار والخلخال والدّملج والقلادة والإكليل والوشاح والقرط، لأن هذه الزينة واقعة في مواضع من الجسد وهى الذراع والساق والعضد والعنق والرأس والصدر والأذن لا يحل النظر إليها إلا لمن استثنى في الآية بعد.
ولما نهى عن إبداء الزينة أرشد إلى إخفاء بعض مواضعها فقال: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ} أي وليلقين خمرهن على جيوبهن ليسترن بذلك شعورهن وأعناقهن وصدورهن حتى لا يرى منها شىء، وكان النساء يغطين رءوسهن بالخمر ويسدلها من وراء الظهر فتبدو نحورهن وبعض صدورهن كعادة الجاهلية فنهين عن ذلك، قالت عائشة: رحم اللّه النساء المهاجرات الأول لما أنزل اللّه {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ} شققن مروطهن فاختمرن بها.
{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ} أي قل للمؤمنات لا يظهرن هذه الزينة الخفيّة إلا لأزواجهن، فإنهم المقصودون بها والمأمورات نساؤهم بصنعها لهم، حتى إن لهم ضربهن على تركها، ولهم النظر إلى جميع بدنهن، أو لآباء النساء أو لآباء الأزواج أو لأبنائهن أو لأبناء أزواجهن أو لاخواتهن أو لأبناء الإخوة أو لأبناء الأخوات، لكثرة المخالطة بينهم وبينهن، وقلة توقع الفتنة من قبلهم ولأن الطباع السليمة تأبى أن تفتتن بالقريبات، إلى أنهن محتاجات إلى صحبتهم في الأسفار للركوب والنزول.
{أو نسائهن} أي المختصات بهن بالصحبة والخدمة.